18 - 09 - 2024

مؤشرات | الأزمة الاقتصادية لا يحلها من تسبب فيها

مؤشرات | الأزمة الاقتصادية لا يحلها من تسبب فيها

لا يختلف اثنان على أن اقتصادنا الوطني يمر بأكبر أزمة تواجهها الدولة، الأمر الذي يتطلب رؤية جديدة لا ينفذها من تسببوا فيها، ولا يمكن الاعتماد على أفكار من أغرقوا البلاد فيها.

ومن مظاهر الأزمة تراجع مؤشر مصر على معظم مؤشرات وكالات التصنيف العالمية، التي تعتمد على مجموعة من العوامل، منها سياسية، وإقتصادية، وبينها ما يتعلق بإنفاق الديون والقروض التي حصلت عليها الدول، وهل تم توجيهها إلى أدوات تنمية وإنتاج، وتشغيل عماله وفرص إستثمار حقيقية، أم لسداد ديون، وعلى قطاعات غير إنتاجية وبالأساس خدمية.

وهناك عوامل تتعلق بطرق الإستدانة، ومدى تحميلها لأعباء جديدة على إقتصاديات الدول، بخلاف سعر الفائدة المعمول به في أدوات الديون وفي البنوك، علاوة على سعر العملة القومية للدول، ومعدلات التضخم، ونسب البطالة، والأهم حجم التدفق الاستثماري المحلي للداخل، وأسباب هروبه للخارج.

ولا يمكن أن نقلل من الأهمية النسبية لتصنيف إقتصاد الدول على مؤشرات الوكالات العالمية، ولا نتعامل معها بإستخفاف، ونقلل من التعامل معها والعمل على إصلاحها، لأن العوامل التي تعتمد عليها مؤشرات التصنيف هي اقرار واقع، والأهم هو معالجة كل مظاهر الخلل الإقتصادي التي أظهرتها أسباب تراجع التصنيف على مؤشرات تلك الوكالات.

من هنا يأتي الحديث عن جدوى طرح الحكومة التي تسببت في الأزمة "روشتة" حلول لها، تحت عنوان " أبرز التوجهات الاستراتيجية للاقتصاد المصري للفترة الرئاسية الجديدة 2024-2030"، لأنها حتما ستكرر نفس السياسات التي أغرقت البلد في الأزمة، والطبيعي أن يأتي أخرون لإدارة "حكومة أزمة" في السنوات المقبلة، برؤية واقعية تعيد هيكلة الأوضاع الإقتصادية بالشكل الصحيح.

حتما سيكون هناك عبء كبير على من سيأتي في المرحلة المقبلة، فالمسؤولية صعبة جدًا، ولكنها تحتاج لصلاحيات في إتخاذ القرارات دون تدخلات غير إقتصادية وفرض قرارات، فالوضع لم يعد يحتمل أي مغامرة.

وقبل أيام ولأسباب إقتصادية بنسبة مئة بالمئة، أعلنت مجموعة الشايع الكويتية عن تقليص عدد متاجرها في مصر، وهو مؤشر خطير يحتاج إلى مناقشة إقتصادية حول أسباب تقليص أو خروج مستثمرين بإستثماراتهم من مصر.

قد يقول البعض أن هذه النوعية من الإستثمارات ليست إنتاجية أو صناعية، لكن الرد أن دولا كثيرة تعتمد في معظم إقتصادياتها على هذه النوعية من الإستثمار التجاري، ثم أن الأسباب التي أعلنتها المجموعة الكويتية، ستأخذها مؤسسات التصنيف العالمية مأخذ الجد، وتضمها إلى تقاريرها الأمر الذي سيؤثر على موقع مصر ضمن مؤشرات تلك المؤسسات، بخلاف ما قد يؤدي ذلك إلى فقدان الثقة في الاقتصاد المصري.

ومن المؤكد أن "الشايع" اتخذت قرارها بعد دراسة ، لتقرر تقليص عملياتها في مصر بسبب الوضع الاقتصادي بخفض عدد المتاجر التي تديرها في البلاد، بغلق 60 متجرًا بحلول الأول من مارس المقبل، والأخطر التخلي عن 450 موظفًا، من خلال سحب 5 علامات تجارية بالكامل ومنها "مذركير، دبنهامز، بينك بيري، كليرز"، وتقليص عدد من العلامات التجارية ومنها H&M  التي سيتم الاكتفاء بسبعة فروع لها فقط،  وفيكتوريا سيكريت وأميريكان إيجل.

ولا شك أن عودة الشايع للسوق المصري مرة أخرى مرهون بتجاوز كل الأسباب التي دفعتها لإتخاذ قرارها، خصوصا أنها قالت "نأمل مواصلة التجارة ونأمل في النمو مرة أخرى في المستقبل القريب".

ومن المهم مناقشة مبررات قرار وكالة "موديز" للتصنيفات الائتمانية بتغيير نظرتها المستقبلية لمصر من "مستقرة" إلى "سلبية"، خصوصًا ما يتعلق بما تراه من مخاطر متزايدة تتمثل في استمرار ضعف الوضع الائتماني للبلاد مع صعوبة إعادة التوازن للاقتصاد الكلي وسعر الصرف.

وما ذكرته بأن إجراءات السياسة وأوجه الدعم الخارجي لمصر غير كافٍ لمنع إعادة هيكلة الديون بسبب ضعف مقاييس أعباء الدين، وذلك بعكس التوقعات التي تشير إلى وجود إمكانية لزيادة قدرة مصر على تحمل الديون، بحصول مصر على دعم مالي من صندوق النقد الدولي.

وترى موديز أن الزيادة الكبيرة في مدفوعات الفائدة والضغوط الخارجية المتزايدة أدت إلى تعقيد عملية تكيف الاقتصاد الكلي المصري، علاوة على توقعات الوكالة بأن تساعد عمليات الإصلاح المالي في الحصول على المزيد من الدعم المالي من صندوق النقد الدولي.

وهذا يعني أن تحرير سعر الصرف أصبح مطلبًا دوليًا، ومن كل المؤسسات، رغم مخاطره الكبيرة على المواطن الذي يتحمل في النهاية عبء كل الإصلاحات، وأخطاء الحكومة المتراكمة التي وصلت بالدولة للأزمة الراهنة.

وكان من المهم أن يكون رد الحكومة في توضيحاتها على قرار "موديز" يحمل فكرا جديدا، وليس مجرد سرد لنفس السياسات التي وصلت باقتصادنا إلى ما نحن عليه، وتحميل كل ما جرى على العوامل الجيوسياسية، وإغفال أسباب أخرى تتعلق بإدارة الإقتصاد الوطني.

والحل يصبح في رؤية جديدة من شخصيات أكثر قدرة في المجموعة الوزارية الإقتصادية تدير الدولة في مرحلة هي الأخطر في تاريخ مصر الإقتصادي، وبصلاحيات واضحة، وفي وضع لم يعدّ المواطن قادرا على تحمّل أعباء جديدة.
---------------------------------
بقلم: محمود الحضري

مقالات اخرى للكاتب

مؤشرات | لغة انفعال الصغار وموقف الكبار وسد النهضة